فصل: مسألة يقول للرجل قد أوقف عبده للبيع بكم عبدك هذا فيقول بعشرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يقول للرجل قد أوقف عبده للبيع بكم عبدك هذا فيقول بعشرين:

وسئل: عن الرجل يقول للرجل: قد أوقف عبده للبيع بكم عبدك هذا؟ فيقول: بعشرين دينارا، فيقول: قد أخذته بذلك، فيقول البائع مجيبا مكانه: لا أبيعه بذلك، أترى البيع لازما له؟ قال: نعم إني لأرى ذلك له لازما، وليس له أن يأبى أن يعطيه إياه بعشرين دينارا.
وكذلك أصحاب الإبل يوقف أحدهم بعيره في السوق فيقال له: بكم بعيرك؟ فيقول: بعشرين دينارا، فيقول السائم: ضع لي دينارا، فيقول: لا، فيقول: قد أخذته، فأراه له إذا قال أخذته، وليس لصاحب البعير في ذلك قول.
قال محمد بن رشد: وكذلك لو قال السائم: أنا آخذه بكذا وكذا، فقال البائع: قد بعتكه بذلك، فقال السائم: لا آخذه بذلك للزمه الشراء على قول مالك هذا، خلاف ما في كتاب بيع الغرر من المدونة من أن ذلك لا يلزم البائع ولا المشتري بعد أن يحلف كل واحد منهما أنه ما ساومه على الإيجاب والإمكان، وإنما كان ذلك منه على وجه كذا وكذا لأمر يذكره وقال أبو بكر الأبهري: إن كان ذلك قيمة السلعة وكانت تباع بمثله لزمهما البيع، وإن كان لا يشبه أن يكون ذلك ثمن السلعة حلف أنه كان لاعبا ولم يلزمه البيع.
وهذا الاختلاف إنما هو في السلعة الموقوفة للبيع، وأما إن لقي رجل رجلا في غير السوق فقال له: بكم عبدك هذا أو ثوبك هذا لشيء لم يوقفه للبيع، فقال له: بكذا وكذا، فقال: قد أخذته بذلك فقال رب السلعة: لا أرضى بذلك وإنما كنت لاعبا وما أشبه ذلك، فإنه يحلف على ذلك ولا يلزمه البيع إلا أن يتبين صدق قوله فيسقط عنه اليمين قولا واحدا على ما يقتضيه ما في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب جامع البيوع.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن الخلاف أيضا في ذلك وإن لم تكن السلعة موقوفة للبيع على ظاهر ما وقع في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، إذ لم يذكر فيه أن السلعة كانت موقفة للبيع، وإلى أنه يتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن البيع لا يلزم وإن كانت السلعة موقوفة للبيع على ما في المدونة.
والثاني: أنه يلزم وإن لم تكن السلعة موقفة للبيع على ظاهر ما في رسم سلعة سماها المذكور.
والثالث: الفرق بين أن تكون السلعة موقفة للبيع أو لا تكون موقفة له على ما يقتضيه ما وقع في سماع أشهب من كتاب جامع البيوع، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن مسألة رسم سلعة سماها وإن لم تكن السلعة موقفة للبيع فذهاب المشتري بها ليستشير فيها بإذن البائع يخرجها من الخلاف، وقد بين هذا في تفسير ابن مزين.
وأما إن قال البائع: قد بعتك بكذا وكذا، وقال المشتري: قد اشتريت منك بكذا وكذا فلا اختلاف في أن ذلك لازم لكل واحد منهما إن أجابه صاحبه بالإمضاء والقبول في المجلس قبل التفرق، واختلف إذا قال المشتري: بعني بكذا وكذا فلما أراد البائع أن يلزمه ذلك أباه، أو قال البائع: خذها بكذا وكذا أو اشترها بكذا وكذا فلما أراد المشتري أن يأخذها بذلك أبى، فقيل: إن ذلك كالمساومة يدخل في ذلك الاختلاف المذكور، وهو الذي يأتي على ما في المدونة؛ لأنه ساوى فيها بين الوجهين، وقيل: إن قول المشتري بعني بكذا بمنزلة قوله: قد اشتريت بكذا، وإن قول البائع: خذها بكذا أو اشترها بكذا بمنزلة قوله: قد بعتك بكذا، يلزم ذلك كل واحد منهما إذا أجابه صاحبه بالقبول والإمضاء في المجلس قبل التفرق، وهو قول ابن القاسم وعيسى بن دينار في كتاب ابن مزين، والقولان لمالك أيضا في كتاب ابن المواز المذكور، وسنذكر ذلك إن شاء الله في سماع أشهب من جامع البيوع. وبالله التوفيق.

.مسألة يباع من الرجل وله زوجة قد دلس له بها ولا يعلم المشتري بذلك:

وسألت مالكا فقلت له: قلت في العبد يباع من الرجل وله زوجة قد دلس له بها ولا يعلم المشتري بذلك حتى يطلق العبد الزوجة أو تموت، ثم يعلم بذلك فيريد رده بذلك على البائع، أله أن يرده بذلك على البائع؟ فقال: نعم قد قلته، وهو الذي أرى ولم يكن مما سئلت عنه قديما فنظرت فيه وما أدرى ما هو إلا أني كذلك أرى.
فقيل لمالك: أفرأيت الذي يبتاع الجارية وقد دلس له فيها بالوعك ثم لا يعلم بذلك المشتري حتى تبرأ من ذلك ثم يعلم فيريد ردها، فقال: لا أرى ذلك مثل الأول وهو أخف عندي.
قال محمد بن رشد: أما الوعك فلا اختلاف في أنه إذا لم يعلم به المشتري حتى تبرأ منه أنه ليس له أن يرد؛ لأن عيبه يذهب بالبرء منه.
وأما عيب الزوجية في الأمة والعبد فاختلف هل يذهب بارتفاع العصمة بموت أو طلاق أم لا على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يذهب بذلك، ولمشتري العبد أن يرده، وإن كان لم يعلم بأن له زوجة حتى ماتت أو طلقها؛ لأنها إن كانت ماتت فاعتياده أن يكون له زوجة عيب به، وإن كان طلقها فهو أشد لما يخشى من تعلق نفسه بها.
وكذلك لمشتري الأمة أن يردها، وإن كان لم يعلم بأن لها زوجا حتى مات عنها أو طلقها لبقاء العيب فيها بعد الموت أو الطلاق بما ذكرناه، وهو قول مالك في هذه الرواية.
والثاني: أن العيب يذهب بارتفاع العصمة بالموت دون الطلاق، وهو قول أشهب في ديوانه وإليه ذهب ابن حبيب، قال: إلا أن تكون الأمة رائعة فيكون الزوج عيبا فيها وإن مات عنها، وهو أعدل الأقوال.
والثالث: أن العيب يذهب بارتفاع العصمة بالموت أو الطلاق، وهذا القول تأوله الفضل على ابن القاسم في قوله في المدونة إذا اشترى الأمة وهي في عدة من طلاق، فلم يعلم بذلك حتى انقضت العدة أنه لا رد له، وليس بتأويل بين، لاحتمال أن يكون قد علم أنه كان لها زوج ولم يعلم أنها في عدة منه.
وهذا القول اختار أبو إسحاق التونسي، وقال: لأن العصمة إذا ارتفعت بموت أو طلاق فلم يبق إلا عيب اعتيادها الوطء، وهو لو وهبها لعبده يطؤها ثم انتزعها منه ما كان عليه أن يبين ذلك، ولم ير بين اعتيادها الوطء بالزوجية والتسري فرقا، ولعمري إن بينهما لفرقا؛ لأن للزوجة حقا على زوجها في الوطء إذ لا تكون الزوجية إلا للوطء، ولا حق للأمة على سيدها في الوطء، فهي تسكن إلى زوجها ما لا تسكن إلى سيدها، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري القلنسوة السوداء فإذا ذهب بها وجدها من ثوب ملبوس:

وسئل مالك: عن الذي يشتري القلنسوة السوداء فإذا ذهب بها وجدها من ثوب ملبوس، فأراد ردها، فقال: إن القلانس لتعمل من الخلقان فأراها له لازمة إلا أن تكون فاسدة جدا، ولقد كان ينبغي للبائع أن يبين مثل هذا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العرف فيها إذا كان أنها تعمل من الثياب الملبوسة فلا يلزم البائع أن يبين بذلك ويحمل المشتري على العلم به فيلزمه ولا يكون له أن يردها إلا أن يكون الثوب الذي صنعت منه منهوكا جدا ومعفونا ومحروقا فيكون به عيبا يجب به الرد، إلا أن يبين البائع بذلك، ولو بين أنها من ملبوس، وإن لم يكن منهوكا ولا معفونا لكان أحسن مخافة أن يكون المشتري ممن يجهل العرف في ذلك فيشتري وهو يظن أنها من ثوب جديد. وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فزعم البائع أنه باعه بالبراءة:

وسئل مالك فقيل له: إني ابتعت عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فلما وجب لي وصار إلي قام علي البائع فجاءني فقال لي: إني كنت ابتعت هذا الغلام بالبراءة فلم أعلمك بذلك وبعتكه بيع الإسلام وعهدة الإسلام، وهذا بيع مفسوخ فقال: ما أرى ذلك، وأرى البيع جائزا، وإنما الذي أكره أن يبتاع رجل بالبراءة ويبيعه بيع الإسلام وعهدة الإسلام ويكتمه أنه ابتاعه بالبراءة.
فأما من ابتاع بالبراءة وباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلا بأس بذلك وأراه جائزا وأرى عليه أن يعلمه أنه ابتاعه بالبراءة، ولا أرى أن يكتمه ذلك، فقال له صاحب السوق: إنك كنت أمرتني ألا يبيع من ابتاع بالبراءة إلا بالبراءة، وألا يبيع من ابتاع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إلا بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يبيع بالبراءة، فقال له مالك: أما من ابتاع بالبراءة فلا أرى بأسا أن يبيع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إذا بين له أنه ابتاع بالبراءة؛ لأنه إنما يحكم على نفسه ويكون هو المتبع، وأما من ابتاع بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلا يبع بالبراءة؛ لأنه إنما يحكم على غيره يعمد إلى العبد فيشتريه بيع الإسلام وعهدة الإسلام، ولا يجب أن يخبر بشيء من عيوبه ولا يقيم في يديه كبير شيء حتى يعهد إليه فيبيعه بالبراءة فيحكم على المشتري بما لا يدري كيف هو، فامنعهم من ذلك أشد المنع وافسخ ذلك بينهم، من ابتاع منهم بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فلا تدعه يبيع بالبراءة؛ لأن هذا يكون في مثله التدليس، وإنما يبيع بالبراءة، وقد ابتاع بيع الإسلام وعهدة الإسلام لسوء يريده، فأرى أن يمنعهم من ذلك أشد المنع، إلا رجل باع في دين عليه أو ميراث ورثه أو بيع سلطان أو ما أشبه هذا من العذر فلا أرى به بأسا أن تدعهم يبيعوا بالبراءة، وإن كانوا إنما ابتاعوا بيع الإسلام وعهدة الإسلام.
قال مالك: وبيع الناس الذي كان فيهم ماضيا يتبايعون بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فقال له صاحب السوق: أرأيت الذي يبيع العبد بالبراءة على ألا يمين على البائع، ثم يجد المشتري بالعبد عيبا قبيحا فيريد أن يستحلف له البائع ما علم هذا العيب، قال: ما أرى ذلك له عليه؛ لأنه قد اشترط عليه ألا يمين عليه ثم قال له مالك: وقد كنت أمرتك ألا تبيح هؤلاء الجلاب الذين يجلبون الرقيق في السفن من مصر أن يبيعوا شيئا من ذلك إلا بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يبيعوا ذلك بالبراءة قال: قد فعلت فجاء علي وابن علي وأصحاب له برقيق لهم فأمرتهم ألا يبيعوا إلا بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فقال له مالك: فإنه بلغني أنهم يتبايعون بالبراءة، فقال: باطل، قد منعتهم من ذلك، فقال له: فنعم امنعهم أن يبيعوا بالبراءة فإنهم يبيعون ما لا يعرفون، إنما يقدم عليهم الرقيق اليوم ويبيعون من الغد، فامنعهم من ذلك فإنهم يبيعون ما لا يعرفون وهم يجهلونهم.
قال محمد بن رشد: إذا باع على ما اشترى من عهدة أو براءة فلا كلام في جواز ذلك، وإذا اشترى بالبراءة جاز أن يبيع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إذا بين قولا واحدا.
وإذا اشترى بيع الإسلام وعهدته فلا يجوز أن يبيع بالبراءة واختلف إن فعل، فقيل: يفسخ وهو قول مالك هنا، وقيل: لا يفسخ وهو قوله في نوازل سحنون من كتاب الاستبراء، وقد مضى ذلك كله في أول مسألة من السماع.
وأما إذا اشترط الذي باع بالبراءة ألا يمين عليه فأعمل هاهنا شرطه عموما في المأمون وغير المأمون وفي الذي يبيع لنفسه أو لغيره، إذ لم يفرق بين شيء من ذلك، ولم يعمله في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات إلا في الوصي والوكيل الذي يبيع لغيره، وفي الرجل المأمون، فحصل الاختلاف بين الروايتين في الرجل الذي ليس بمأمون إذا باع لنفسه.
وكان من أدركنا من الشيوخ يذهبون إلى أن المعنى في هذه المسألة وفي التي في رسم سلعة سماها من كتاب المديان والتفليس في أن الشرط في التصديق في اقتضاء الدين دون يمين غير عامل، وأن له أن يحلفه سواء لحمل كل واحدة منهما على صاحبتها، فيأتي فيهما جميعا ثلاثة أقوال: إعمال الشرط، وإبطاله، والفرق بين المأمون والذي يبيع لغيره وبين الذي ليس بمأمون ويبيع لنفسه.
والصواب: أنهما مسألتان مفترقتا المعنى لا تحمل إحداهما على الأخرى؛ لأن هذه اشترط فيها إسقاط يمين إن كانت قد وجبت حين الشرط ولم يعلما بوجوبها، ومسألة سلعة سماها في اشتراط التصديق في اقتضاء الدين دون يمين اشترط فيها إسقاط يمين يعلم أنها لم تجب بعد، فالأولى بمثابة أن يقول الرجل: إن كان فلان قد اشترى هذا الشقص بكذا، فقد سلمت له الشفعة، فهذا يلزمه التسليم إن كان قد اشترى؛ والثانية بمثابة أن يقول: إن اشترى فلان الشقص فقد سلمت له الشفعة فهذا لا يلزمه التسليم إن اشترى؛ لأنه أسقط حقه قبل أن يجب له، فلا يدخل الاختلاف في مسألة التصديق في اقتضاء الدين دون يمين من مسألة العيوب هذه ولا فيها نص خلاف.
قال في الواضحة: وكل من وضع يمينا قبل أن تجب فهي غير موضوعة، وإنما يدخل الاختلاف فيها بالمعنى؛ لأن إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه، من ذلك اختلافهم فيمن شرط لامرأته إن تزوج عليها فأمرها بيدها فأسقطت عنه الشرط وأذنت له بالتزويج، فلما تزوج أرادت أن تقضي، وقد مضى القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح. وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة الرقيق يبعث إلينا بهم نصيح عليهم ثلاثا:

وقال له صاحب السوق: أرأيت الرقيق يبعث إلينا بهم نصيح عليهم ثلاثا، فأصيح عليهم وأبين لهم أني أصيح ثلاثا، فأصيح يومين فإذا كان اليوم الثالث شغل أهلوهم فلم يرسلوهم إلينا اليوم واليومين والثلاثة، ثم يرسلونهم فيقول الذين كانوا عليهم: قد حبسوا عنا وقد مضت أيام الصياح ولا حاجة لنا بهم، فقال مالك: إذا كان اليوم واليومان وما أشبه ذلك فأرى أن يلزمهم ذلك، وأما إذا كان العشرين ليلة وما أشبه ذلك فلا، فقال له: إن طلحة بن بلال بعث إلي برقيق أبيعهم وأصيح عليهم ثلاثا، فصحت عليهم يومين ثم مات فشغل أهله بموته فلم يبعثوا بهم إلا بعد يومين فأراد الذين كانوا عليهم تركهم، وقالوا: قد حبسوا عنا ومضت أيام الصياح، فقال له: لا أرى ذلك لهم، وأرى أن يلزمهم إياهم، فقيل له: أيلزم ما كان مثل هذا؟ فقال له: أما اليوم واليومان وشبه ذلك فأرى أن يلزمهم إياهم والعذر عذر، وأرى لمثل هؤلاء عذرا، وأما الشيء الكثير فلا أراه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على ما في المدونة في الذي يشتري السلعة على أنه بالخيار ثلاثا أن البيع لا يلزمه بمغيب الشمس من آخر أيام الخيار، وأن له أن يردها بعد انقضاء أيام الخيار ما لم يتباعد ذلك؛ لأنه إذا صاح على العبد وبين أنه يصيح عليه ثلاثا يطلب الزيادة فكل من أعطى فيه عطاء فقد لزمه الشراء على أن صاحب العبد عليه، بالخيار ما لم تنقض أيام الخيار فلصاحب العبد أن يلزمه الشراء، وإن انقضت أيام الصياح ما لم يتباعد ذلك، وقد قيل: إنه ليس له أن يرد السلعة التي اشترى بالخيار بعد انقضاء أيام الخيار، فعلى هذا ليس له أن يلزمه الشراء في العبد بعد انقضاء أيام الصياح.
ولو كان الذي يصاح عليه في بيع المزايدة مما العرف فيه أن يمضي أو يرد في المجلس ولا يشترط أن يصيح عليه أياما لما كان له أن يلزمه الشراء بعد أن ينقلب بالسلعة عن المجلس، وقد روي ذلك عن ابن القاسم سئل عن الرجل يحضر المزايدة فيزيد، ثم يصاح عليها فينقلب بها إلى أهلها، ثم يأتونه من الغد فيقولون له: خذها بما زدت هل يلزمه ذلك؟ فقال ابن القاسم: أما مزايدة الميراث أو متاع الناس فلا يلزمه ذلك إذا انقلبوا بالسلعة أو تركوها في المجلس وباعوا بعدها أخرى، وإنما يلزم هذا في بيع السلطان الذي يباع على أن يستشار السلطان فإن ذلك يلزمه إذا أمضاه السلطان، وجدت هذه المسألة لابن القاسم بخط يد أبي عمر الإشبيلي، وهي صحيحة على أصولهم.
ومعنى قوله: إن ذلك يلزمه إذا أمضاه السلطان يريد ما لم يتباعد على ما مضى من قول مالك في مسألة الصياح، وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع عبدا بالبراءة بيع الميراث:

ومن كتاب الأقضية:
وسئل مالك: عمن ابتاع عبدا بالبراءة بيع الميراث لا عهدة فيه، فأقام عنده ما شاء الله، ثم باع بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولم يخبرهم أنه كان اشتراه بالبراءة، فأراد المشتري أن يرده بذلك، فقال: ما أرى البائع إلا بئس ما صنع، وأن للمشتري أن يرده بذلك إن أحب ما لم يبين ذلك له ولو علم المشتري بهذا لم يشتره فأرى له أن يرده إن أحب، قيل له: إنه قد أقام عنده فلم ير إلا خيرا، قال: فما له لم يبين ذلك له، أرى أن يرده إن أحب.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول الرسم الذي قبل هذا وفى آخره فلا معنى لتكراره، وبالله التوفيق.

.مسألة عهدة السنة هل هي بعد الثلاث:

وسئل مالك: عن عهدة السنة أمن بعد الثلاث؟ قال: نعم، فقلت له: عهدة السنة إنما هي من بعد الثلاث؟ فقال لي: نعم، وسألت مالكا عن عهدة الثلاث أتدخل في الحيضة أم تكون بعد الحيضة؟ فقال لي: بل أراها تدخل في الحيضة، وذلك أنه يواضعها إياه المشتري حتى تحيض، فإذا حاضت قبضها وخلا بها فصارت منه، فلذلك تدخل الأيام الثلاثة في الحيضة، فقيل لمالك: أفرأيت عهدة السنة؟ فقال: إذا قبضها استقبل السنة، قلت له: فإذا قبضها بعد الحيضة استقبل عهدة السنة؟ فقال لي: نعم، إنما يستقبل عهدة السنة إذا قبضها بعد الحيضة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته ههنا، وبالله التوفيق.

.مسألة عهدة الثلاث والسنة هل يحمل أهل الآفاق عليها:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
قال أشهب: وسألته عن عهدة الثلاث والسنة أترى أن يحمل أهل الآفاق عليها؟ فقال: ما أرى ذلك، وأرى أن يتركوا على حالهم، وليس في هذا شيء، وهذا مثل بيع البراءة عندنا، وهم هاهنا بمكة أقرب إلينا لا يعلمون به، فأرى أن يقروا، وذلك مثل بيع البراءة عندنا، قيل له: أرأيت الجواري؟ فقال: لا أرى أن يبعن كذلك، وأرى فيهن المواضعة في الحيضة بمنى وغيرها.
قال محمد بن رشد: عهدة الثلاث والسنة ثابتة معمول بها في بلد الرسول قديما وحديثا، واختلف منها إذا لم تكن جارية في البلد في موضعين؛ أحدهما: وجوب حمل الناس عليها.
والثاني: وجوب الحكم بها بينهم، فأما وجوب حمل الناس عليها ففيه قولان؛ أحدهما: رواية أشهب هذه أنه لا يحمل الناس عليها.
والثاني: أنه يحمل الناس عليها، وهو قول المدنيين وروايتهم عن مالك، وحكى ذلك ابن حبيب في الواضحة، ومثله في سماع ابن القاسم من كتاب السلطان قوله: وددت ذلك، وأما وجوب الحكم عليهم بها فيما تبايعوه حيث لا يعمل بها قبل أن يحملوا عليها ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يحكم عليهم بها، وإن لم يشترطوها، وهو قول المدنيين وروايتهم عن مالك؛ والثاني: أنه لا يحكم بها بينهم إلا أن يشترطوها، وهي رواية المصريين عن مالك؟ والثالث: أنه لا يحكم بها بينهم وإن اشترطوها، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز، ومحمد بن عبد الحكم يرى عهدة السنة حراما لا يعمل بها، فالعهدة في الرقيق مخالفة للأصول إلا أنها عند مالك سنة سلفه فيها أهل بلده فهو متبع لهم فيها، وسائر فقهاء الأمصار يرون المصيبة في كل ما يحدث بالرقيق بعد الشراء من المشتري قياسا على سائر الحيوان وعلى العروض، وما روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من رواية عقبة بن عامر الجهني أنه قال: «عهدة الرقيق ثلاث ليال» منهم من يضعفه، وأصحاب الشافعي يقولون: معناه في الخيار المشروط، وما اتصل عليه العمل بالمدينة فهو عند مالك أصل يقدمه على القياس، فرواية المدنيين عنه في أنه يحمل الناس عليها ويحكم بها عليهم وإن جهلوها ولم يشترطوها هو الذي يأتي على أصل مذهبه، وسائر ما ذكرناه من الأقوال في ذلك فإنما هي استحسان ومراعاة للخلاف فمن أصل مذهبه مراعاته، فإن باع بالبراءة في بلد قد عرفت فيه العهدة برئ من عهدة الثلاث والسنة ومن كل عيب قديم لم يعلم به البائع، وإن باع بالبراءة في بلد لا تعرف فيه العهدة فمعناه البراءة من كل عيب قديم لم يعلم به البائع.
وأما المواضعة: فهي واجبة عند مالك وجميع أصحابه في الأمة التي وطئها سيدها ولم يستبرئها رفيعة كانت أو وضيعة، وفي التي لم يطأها أو وطئها واستبرأها إذا كانت رفيعة يخشى أن تكون حاملا، إلا أن تكون ذات زوج أو زانية؛ لأنها تنفي الخطر والغرر من أجل أن الأمة الرفيعة ينقص الحمل من ثمنها كثيرا إذا لم تكن ذات زوج ولا زانية؛ لأنها إن كانت ذات زوج أو زانية فقد دخل المشتري على أن الحمل لا يؤمن منها فارتفع الغرر منها فيجب الحكم بها على الحاضر والمسافر لم يختلف قول مالك في ذلك كما اختلف في العهدة.
وقد سئل عن ذلك في أهل منى وأهل مصر عند الخروج إلى الحج في الغرباء الذين يقدمون فرأى أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو كرهوا.
وإنما وجبت المواضعة فيمن كانت هذه صفتها من الإماء مخافة الحمل إن ظهر بها كسائر ما يظهر من العيوب بالمبيع فيكون المشتري مخيرا بين الرد والإمساك، أو كالجنون والجذام والبرص الذي إن ظهر بالعبد أو الأمة في السنة رد به وجاز البيع من غير مواضعة؛ لأن الجنون والجذام والبرص أمر نادر، وفي توقيف الأمة أو العبد حولا كاملا لاستبراء ذلك ضرر بالمتبايعين، وأما الحمل فليس بنادر بل هو أمر عام؛ لأن جل النساء على الحمل، ومدة إيقافها للمواضعة يسيرة لا ضرر فيها على المتبايعين وهي تنفي الغرر والخطر وغير ذلك مما لا يجوز من السلف الذي يجر نفعا إن نقد الثمن، فوجب أن يجب الحكم بذلك وبالله التوفيق.

.مسألة بعت وصيفة مولدة من رجل بالبراءة فسئلت الوصيفة عن أبيها فلم تعرفه:

وسئل فقيل له: بعت وصيفة مولدة من رجل بالبراءة فسئلت الوصيفة عن أبيها فلم تعرفه، فسألني أن أكتب له لطيبة وأنا لا أدري لطيبة أم لا وإنما اشتريتها من رجل من أهل اليمامة، فقال: أراك قد شرطت له مولدة، وليست المولدة إلا الطيبة، فأرى أن تحلف بالله لقد بعته وما تدري أمولدة أم لا؛ لأنه يتهمك أن تكون ندمت فيها، فإذا حلفت فإن شاء ردها، وإن شاء أمسكها، قلت: أرأيت إن قال البائع: هو ندم واستغلاها وقد بعته إياها وإنما ابتعتها من قوم لا علم لي بهم؟ فقال: هذا الذي أرى.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما باع منه على أنها مولدة، ومعنى المولدة التي هي لرشدة وهي التي تعرف أمها وهي أمة لولادتها في الإسلام، وذلك لا يحل إلا بالتزويج، فقد باع منه على أنه يعرف ذلك فاشترى المشتري على الثقة بقوله، فلما قال له بعد ذلك: إنه لا يعرف ذلك اتهم على أنه أراد أن يزهده فيها بقوله: إنه لا يعرف أنها لرشدة وهو يعرف ذلك، فهي يمين تهمة فيها للمشتري منفعة وهي أنه إن نكل عن اليمين تبين له بنكوله عنها أنه يعرف أنها لرشدة وأنه إنما أراد أن يزهده فيها رجاء أن يردها عليه فتطيب حينئذ نفسه على إمساكها إن شاء، وجبر على أن يكتب له أنها لرشدة ليقوم عليه بذلك متى ثبت أنها لغير رشدة، وإن حلف لم يجبر على ذلك وكان بالخيار أيضا بين أن يردها من ساعته أو يمسكها فلا يردها إلا أن يثبت أنها لغير رشدة.
ومعنى لطيبة أي لأم طيبة المنكح، وأصله التشديد، ولكن يخفف كهين وميت. وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع وصيفا فوجده ولد زنى أله أن يرده:

وسئل: عمن ابتاع وصيفا فوجده ولد زنى أله أن يرده؟ قال: نعم إذا كان شرط له لطيبة، فقيل له: ماذا؟ فقال: إن كان شرط له لطيبة ثم وجده ولد زنى فله أن يرده.
قال محمد بن رشد: لم ير له الرد في هذه الرواية بذلك ألا إذا اشترى وشرط الرشدة، وابن القاسم يرى الرد في ذلك، وإن لم يشترط الرشدة، وقد مر في رسم البز من سماع ابن القاسم أن العلية ترد بذلك، ومثله في آخر سماع أشهب هذا، فهي ثلاثة أقوال.

.مسألة وقف جارية بالسوق وليس عليها إلا إزار:

وسأله صاحب السوق: عمن وقف جارية بالسوق وليس عليها إلا إزار، فقال للسوام: إني لا أبيعها إلا عريانة أنزع هذا الإزار عنها، فاشتريت على ذلك، فأراد نزع الإزار عنها وقال: هو شرطي عليكم في بيعي فهاتوا ما تلبس جاريتكم حتى آخذ الإزار عنها، أفترى ذلك أم ترى أن يفسخ البيع؟ فقال: بل أراه بيعا جائزا لا يفسخ، ولا أرى له أن يعطيهم إياها عريانة، عليه أن يعطيهم إياها بما يواريها إما بذلك الإزار الذي باعها به وهو عليها، وإما أن يعطيهم إياها بثوب غيره مما يواريها، وليس له أن يعطيهم إياها عريانة، وإن كان قد اشترط ذلك عليهم، فقال له: فإنه قد أبى أن يعطيهم، وقال: على ذلك بعتهم الجارية، فقال له: أرى البيع ماضيا وأرى أن يكلفه أن يعطيهم ثوبا يواريها به إزارا أو غيره، فإن أبى فالشرط أرى ذلك عليه وأرى أن يكلفه إياه، فقال له: فإن رجلا أيضا أتى بجارية فباعها على أن الثياب التي عليها عارية، وأن لها في المنزل خلق ثوبين وإنما أبيعكموها بهما ليس لكم علي غيرهما، فباعها بذلك من الشرط ثم جاء بالثوبين، فإذا هما لا يواريانها، فقال له: ذلك لا أراه له وإن اشترطه، وأرى أن يجاز البيع بينهما ولا يفسخ، ويلزمه أن يعطيها ثوبا يواريها به، فأما خلقا لا يواريها فلا أرى ذلك له، وأرى أن يكلف أن يعطيها إزارا، فقال له: فالقميص؟ فقال: لا أرى ذلك عليه، وأرى أن يعطيها إزارا يواريها وليس له أن يعطيها ذلك الثوبين الخلقين إذا لم يكونا يواريانها، وليس الأخلاق كلها سواء رب ثوب خلق يواري، فأما إذا كان لا يواريها فلا أرى أن تجيز ذلك له، وأرى أن تلزمه أن يعطيها ثوبا أو إزارا يواريها، فقال له: فألزمهم هذا؟ فقال له: نعم، تلزمهم هذا فإن هذا رأيي.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة مخالفة للأصول؛ لأن الشروط المشترطة في البيوع على مذهب مالك تنقسم على أربعة أقسام: قسم يبطل فيه البيع والشرط، وهو ما آل البيع به إلى الإخلال بشرط من الشروط المشترطة في صحة البيع؛ ومنها ما يفسخ به البيع ما دام مشترط الشرط متمسكا بشرطه؛ وقسم يجوز فيه البيع والشرط، وهو ما كان الشرط فيه جائزا لا يؤول إلى فساد ولا يجر إلى حرام، وقسم يجوز فيه البيع ويفسخ الشرط وهو ما كان الشرط فيه حراما إلا أنه خفيف فلم يقع عليه حصة من جملة الثمن، فالذي يوجبه القياس والنظر في الذي باع الجارية على أن ينتزع ما عليها من الثياب ويبيعها عريانة أن يكون البيع جائزا والشرط عاملا جائزا؛ لأنه شرط جائز لا يؤول إلى غرر ولا خطر في ثمن ولا مثمون ولا يجر إلى ربا، ولا حرام، فوجب أن يجوز ويلزم؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المسلمون على شروطهم»، وعلى مذهب جابر بن عبد الله وهو قول عيسى بن دينار في المدنية وروايته عن ابن القاسم أن الرجل إذا اشترط أن يبيع جارية عريانة فذلك له، وبه مضت الفتوى بالأندلس.
وأما الذي باع الجارية على أن ينتزع الثياب التي عليها عنها ولا يكون لها إلا ثوبان خلقان في المنزل، فكان القياس والنظر فيها على المذهب أن يكون البيع فاسدا؛ لأن الأخلاق من الثياب تختلف، فوقع البيع على غرر، إذ لم ير المشتري خلق الثوبين ولا وصفا له ولو وصفا له لما وجب أن يجوز البيع على ذلك إلا على اختلاف، إذ ليسا بغائبين عن البلد.
فرواية أشهب هذه مضاهية لقول ابن أبي ليلى في أن البيع والشرط إذا وقعا يجاز البيع ويفسخ الشرط جملة من غير تفصيل على ظاهر حديث بريرة. وبالله التوفيق.